كنيسة الشهداء الذين قضوا في مأساة الأرمن التي حدثت في أوائل القرن الماضي لتكون
إحدى صفحات التاريخ المخضبة بالدماء و لتمثل شاهدا على بشاعة الأطماع البشرية
حيث حاول الأتراك إبادة أمة بأكملها و تصفيتها عرقيا و على هذا قام جلادوهم بالفتك بالشعب الأرمني بكل قسوة ووحشية و دون رادع أو ضمير أو وازع من خير , إنه لمن المؤسف الحديث عن هذه المذابح لأنها سلسلة من الجرائم الفظيعة التي يندى لها جبين البشرية و ستبقى تلك المجازر ماثلة في ذاكرة الشعب الأرمني حيث أدت إلى إبادة مليون و نصف المليون من أبناء الشعب الارمني ثم إخلاء بلاد هؤلاء الضحايا فنزح من نجا منهم إلى أرمينيا الشرقية أو ما يعرف بجمهورية أرمينيا الحالية و تشتت الباقون في العالم ليشكلوا ما يعرف بالمهجر الارمني , أما الأرمن الذين نزحوا إلى سوريا التي فتحت لهم قلبها و احتضنتهم بحنان و انتشلتهم من أحزانهم فقد أخلصوا لها و عملوا من أجلها وعاشوا حياة محبة صادقة مع الشعب العربي السوري و قد عززالأرمن هذه الصداقة الأرمنية بإقامة كنيسة مقام شهداء الأرمن في دير الزور حيث كانت هذه المدينة المحطة الأخيرة لقوافل التهجير و التي تمت فيها جرائم الإبادة الجماعية غير الإنسانية لمن بقي على قيد الحياة .
تم وضع حجر الأساس لهذا المشروع في الثاني عشر من أيار 1985 بحضور قداسة الكاثوليكوس كاريكين الأول أما تدشين الكنيسة فقد جرى في الثالث و الرابع من شهر أيار 1991 بحضور قداسته أيضا , و هكذا تم إنجاز هذا الصرح المعماري العظيم الذي يخلد ذكرى الشهداء الأبرار و ينتصب بشموخ ليروي قصة التاريخ الغارق بالآلام , و الدماء و الأحزان مصمما على إعلاء راية الحق بعزم و ثبات لأن الشمس لا بد أن تشرق بدلا من ليل الأسى و الدمار و ظلم الإنسان ووحشيته .
يتألف الصرح العظيم من مدخل رئيسي يرتفع نحو الساحة بمدرج يشير إلى المآسي و النكبات الفظيعة التي تعرض لها الشعب الأرمني و لكنه رغم كل ذلك لم يستسلم للأحزان بل نهض بقوة و تابع طريقه بشموخ و اعتداد .
أما واجهة المدخل الرئيسي من الطرف الغربي فهي مزخرفة بحمام و صلبان منحوتة بدقة و إتقان معبرة عن حب الأرمن للسلام ونضالهم و تضحيتهم من أجله , و يطالعنا إلى يمين الساحة جدار الصداقة و هو جدار منمق و مزخرف بالنقوش العربية و الأرمنية معبرا عن الصداقة الحميمة بين الشعبين المتآخيين ويحمل الجدار ينبوعين يتدفقان باستمرار .. , رمزا للحياة و العطاء الذي لا ينضب .
أقيم مقابل المدخل الرئيسي لصرح نصب تذكاري ضخم يخلد الشهداء انتصب فيه خاتشكار (حجر الصليب ) جيء به من أرمينيا تشتعل أمامه بصفة دائمة شعلة الخلود وعلى جانبيه خمسة نماذج لنصب شهداء الأرمن موجودة في أنحاء العالم .
أما الجدار التذكاري في يسار الساحة فيحمل عددا من الخاتشكار بزخارف جميلة من المنمنمات الأرمنية و يسرد هذا الجدار مآسي الشعب الأرمني .
إلى يسار الساحة أنشئت الكنيسة الرائعة التي تزهو بمذبحها المحتوي على منمنمات وأيقونات مقدسة , تنطلق للأعلى لتعانق السماء بزهو و شموخ .
في أسفل الكنيسة صالة يرتفع منها عمود يخترق منتصف الكنيسة هو عمود الانبعاث وقد دفن في أساسه بقايا من عظام الشهداء التـي انتشلت من الشدادة و صوار و مرقدة و دير الزور, لتكون شاهدة على تلك المذابح و لتعبر عن تمسك الشعب الأرمني بالحياة و نضاله من أجل البقاء و الاستمرار . كما تحتوي الصالة واجهات لعرض الكتب و المنشورات و الصور الوثائقية التي تحكي معاناة الشعب الأرمني أثناء المجازر , بالإضافة إلى خريطة تبين مراكز الإبادة و مسح كامل لطرق النفي التي تعرض لها الشعب الأرمني .
توجد على يسار الساحة و بعد المدخل الرئيسي مباشرة صالة استقبال رسمية .
من الصعب وصف هذا الصرح بالكلمات و الصور , بل لابد من رؤيته بالعين و الشعور به بالروح , هذا الصرح المقدس المبني بالحجر و المرمر و هو بحق تجسيد لكلمات الاحتجاج , كما وردت في قصيدة ( قبة الجرس التي لا تسكت )للشاعر الأرمني الكبير باروير سيفاك .....
إن هذا الصرح الخالد وليد الصداقة الأرمنية السورية و سيظل منارة وهاجة يحكي للأجيال القادمة قصة ذلك التاريخ المريع و يضيء لهم درب المستقبل الزاهر الذي سيشارك فيه أبناء الشعبين الأرمني و السوري في تآلف و محبة ووئام.