ذ أن خُلِقَ الإنسان زوده الله تعالى بقدرة عجيبة على التكيف مع الظروف المحيطة به لكي يحقق هدف تواجده في الحياة و هو عبادة الله و إعمار الأرض ، فكان التكيف هو من الأدوات العظيمة الفائدة التي تحافظ على حياته ضد الظروف التي تستدعي تغيرات بيولوجية في الإنسان ، و أيضا تحافظ على اندماجة مع الآخرين. قال تعالى ” و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا” فسبب أساسي لتآلف الإنسان مع الآخرين هو التكيف ، عن تعريفه ، أبعاده و مظاهره يدور حديثنا في هذه التدوينة .
ما هو التَكَيُّف ؟
قدرة الفرد على التوافق النفسي الذي يحقق تماسك شخصيته و وحدتها و تقبل الفرد لذاته و تقبل الآخرين له بحيث يترتب على هذا كله شعوره بالسعادة و الراحة النفسية ، أو يمكن تعريفه على أنه مجموعه من الاستجابات وردود الأفعال التى يعدل بها الفرد سلوكه وتكوينه النفسى أو بيئته الخارجيه لكى يحدث الانسجام المطلوب بحيث يشبع حاجاته ويلبى متطلبات بيئته الإجتماعيه و الطبيعيه. و هناك من علماء النفس من يفصل بين مصطلحي “التوافق” و “التكيف” على أن الأول هو رضا الشخص عن ذاته و قناعته نحو الشيء الذي أنجزه عن رغيه و قصد مسبقين و يكون فيه الفرد صادقا مع نفسه و الآخرين في تصرفاته و سلوكه و يعيش بتناسق مع المجتمع الموجود فيه و يسير التوافق دائماً باتجاه إيجابي ، أما التكيف قد يسير باتجاه إيجابي أو سلبي و هذا على حسب الطريق الذي يسلكه الفرد و النتيجة التي ينتهي إليها. أبعاد التَكَيُّف
له بعدان ، الذاتي و الاجتماعي ، التكيف الذاتي هو أن يكون الفرد راضياً عن نفسه ، غير كاره لها أو نافر منها أو ساخط عليها أو غير واثق فيها ، كما تتميز حياته النفسية بالخلو من التوترات و الصراعات التي تقترن بمشاعر الذنب و القلق و الضيق و النقص و الرثاء للذات .
و هناك ما يعرف بالتكيف الإجتماعى و هو قدرة الفرد على أن يعقد صلات إجتماعية طيبة مع من يعاشرونه أو يعملون معه ، و المتكيف مع المجتمع أقدر على ضبط نفسه في المواقف التي تثير الإنفعال ، فلا يثور و يتهور لأسباب تافهه ، و لا يعبر عن إنفعالاته بصورة فجه ، بالإضافة إلى قدرته على معاملة الناس بصورة واقعية لذلك يوصف بأنه ناضج إنفعالياً ، و توجد صلة وثيقة و تأثير متبادل بين التكيف الشخصي و الإجتماعي.
و الآن كيف تعرف أنك مُتَكَيّف أم لا ؟
هناك عدة مظاهر إذا وَجَدت في نفسِك 80% منها ، فأنت شخص مُتَكَيّف مع من حولك ، و هذه المظاهر هي :
الراحة النفسية
حيث أن تأزم الحياة النفسية للإنسان كفيلة بأن تحيل حياته إلى جحيم لا يطاق و الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يستطيع مواجهة العقبات و حل المشكلات بطريقة ترضاها نفسه و يقرها مجتمعه.
التفوق في العمل
و هي من أهم دلائل الصحة النفسية و العمل هو أحد صور النشاط الطبيعي للإنسان ، و الفرد الذي زاول مهنه أو عمل فنياً تتاح له الفرصة لاستغلال كل قدراته و تحقيق أهدافه الحيوية ، الأمر الذي يحقق الرضا و السعادة النفسية .
الأعراض الجسمية
في بعض الأحيان يكون الدليل الوحيد على سوء التكيف هو ما يظهر في شكل أعراض جسمية مرضية ، إن الأمراض السيكويوماتية -الأمراض الجسمية التي يرجع سببها إلى عوامل نفسية – سببها مواقف انفاعلية ، و من أمثلة هذه الأمراض ارتفاع ضغط الدم و أمراض المعدة و إذا لم يتسن للفرد أن يعبر عن انفعالاته تعبيراً مناسباً بالقول أو الفعل بقيت هذه الأمراض و الاضطرابات و تضخمت.
تقبل الذات و تقبل الآخرين
و يرتبط تقبل الآخرين أشد ارتباطاً بتقبل الذات فالشخص الذي لدية الثقة فى نفسه و يثق بالآخرين يعتبر أكثر اهتماما و رغبة للإنطلاق و الأخذ بيد غيره ، كما يكون قادراً على التفاعل الإيجابي البناء مع الآخرين ، و على الأخذ و العطاء معهم و بهذه الطريقة يحدث التوازن.
إتخاذ أهداف واقعية
و كنتيجة للتمتع بصحة نفسية جيدة فإن هذا الشخص هو الذي يضع أمام نفسه مثلاً و أهدافاً و مستويات للطموح – تتناسب مع ذكائه و إستعداداته الخاصة و ميولة- و يسعى للوصول إليها ، فالتكيف المتكامل يعني بذلك الجهد و العمل المستمر في سبيل تحقيق الأهداف.
القدرة على ضبط الذات و تحمل المسئولية
فالشخص السوى هو الذي يستطيع أن يتحكم في رغباته و أن يكون قادراً على إرجاء إشباع بعض حاجاته ، فهو لديه القدرة على ضبط ذاته و على إدراك عواقب الأمور ، و كلما زادت القدرة على ضبط الذات كلما قلت الحاجة إلى الضبط الصادر من سلطة أخرى خارجة عن الذات ، فالشخص المتمتع بالصحة النفسية ينظر إلى الأمام دائماً و يقدر نتائج الفعل قبل أن يقدم عليه و هو الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن أعماله و يتحمل هذه المسئولية عن طيب خاطر.
القدرة على تكوين علاقات مبنية على الثقة المتبادلة
إن الشخص السوي هو الذي يحقق وجوده ككائن حي اجتماعي يعترف بحاجته إلى أفراد مجتمعه و في تعاونه معهم و اضطلاعه بدور اجتماعي من أجل تحقيق حياه أفضل له و مجتمعه مثل هذا الشخص هو الذي يعمل من أجل المصلحة العامة و يسعى لخير مجتمعه الذي هو جزء منه و يهتم بمساعدة الآخرين و أن يكون معهم علاقات شخصية و عاطفية وثيقة ، علاقات مبنيه على الاهتمام و الرعاية و ليس على مجرد الرغبة في التعالي أو حب السيطرة.
القدرة على التضحية و خدمة الآخرين
لأن الشخصية السوية هي التي تسهم في خدم الإنسانية عامة ، و تفعل ذلك في حدود إمكانياتها ، فهي تعمل على تقدم المجتمع الإنساني و السير فى سبيل التطور إلى الهدف الأسمى ، هدف العمل للإنسانية جمعاء ، و المشاركة في تحقيق السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس .
تلخيص
التَكَيّف هو سبب جوهري لاندماج الإنسان في البيئة المحيطة به و المجتمع الذي يعيش فيه ، و له بعدان ذاتي و إجتماعي و هناك العديد من المظاهر التي تثبت أن الشخص مُتَكَيّف أم لا ، بعدما كتبت هذا المقال تبيّن لي أنه يلزمني بذل المزيد من الجهد حتى أصل إلى درجة التكيف المطلوبه ، ماذا عنك أنت ؟