فنانون ومتابعون: الدراما السورية قدمت نفسها هذا الموسم كصناعة قادرة على التكيف مع أصعب الظروف
دمشق-سانا
استطاعت الدراما السورية هذا الموسم أن تكون حاضرة في مختلف القنوات الفضائية العربية وان تقوم بدورها في رصد الواقع السوري ولاسيما في هذه الظروف القاسية التي تمر بها سورية.
فرغم الصعوبات التي رافقت شروط الإنتاج الدرامي لهذا العام كما في العامين السابقين نتيجة الأزمة التي يعيشها الوطن إلا أن الدراما السورية قدمت نفسها هذا الموسم كصناعة قادرة على التكيف مع أصعب الظروف فتمكنت من التغلب على محدودية أماكن التصوير والطواقم الفنية الموجودة فأنتجت أعمالا متنوعة من حيث المواضيع والفترات الزمنية.
وكانت الأزمة حاضرة في الدراما السورية بأشكال متنوعة فقدمت بعض الأعمال على خلفية الاحداث كمسلسل حائرات وقامت مسلسلات أخرى بتناول منعكسات الأزمة كمسلسل سنعود بعد قليل ومنها ما ركز على الأزمة بشكل مباشر مثل مسلسلات تحت سقف الوطن.. ووطن حاف.. ومنها ما ابتعد عن الأزمة نحو البيئة الشامية القديمة كمسلسل ياسمين عتيق وطاحون الشر وقمر شام إلى جانب وجود أعمال اجتماعية وشبابية منوعة كـ سكر وسط.. فتت لعبت.. وروزنامة ومع تنوع المواضيع والأزمة التي تناولتها الدراما السورية لهذا العام كان من الطبيعي ان تتنوع الامزجة والأذواق والآراء.
وفي استطلاع لـ سانا قال المهندس رأفت يوسف إن أعمال البيئة الشامية صارت من طقوس الدراما الرمضانية على الشاشات العربية فهي تحقق للمشاهد نقلة على مستوى الزمن إلى الماضي البسيط والعفوي الخالي من مكائد ودسائس المجتمع الاستهلاكي الذي نعيشه وبالنسبة لي أحببت هذا العام مسلسل ياسمين عتيق لما قدمه من رؤية جديدة للدراما الشامية من ناحية النص والصورة.
وعن الأعمال التي تناولت الأزمة الراهنة قال المحامي همام بدر أن اغلب الاعمال الدرامية السورية ركزت هذا العام على الأزمة من وجهة نظر قامت على الاعتدال والوسطية رغم وضوح موقف كاتب العمل ومخرجه من الأزمة بالمجمل كما أن بعضها ركز على مواضيع محددة كمسلسل "تحت سقف الوطن" وجاء غيرها بوجهات نظر مختلفة عن الأزمة عبر سير الاحداث الدرامية كمسلسل "سنعود بعد قليل" الذي أعتبره تطورا في الدراما السورية نصا وإخراجا.
وعن الدراما الاجتماعية قالت شيرين ونوس معلمة.. أن تناول القضايا العامة للمجتمع السوري في الدراما هذا العام جاء أكثر نضجاً فقد كان مسلسل سكر وسط حالة عاكسة للوضع المتردي الذي وصل إليه المجتمع العربي عموماً من غياب للقيم والأخلاق والغوص في مصطلحات المنفعة الشخصية على حساب القيم الأخلاقية فكان مسلسلاً مميزاً إلى جانب مسلسل حائرات الذي تنوع في موضوعاته أيضاً.
وإن طرح عدة أعمال هذا العام تحت مسمى الدراما الشبابية بحسب الطالبة الجامعية مي نهار جاء متساهلاً مع ذائقة المشاهد ومسطحاً لأفكاره وكأن فئة الشباب هي شريحة ساذجة في تعاطيها مع المجتمع ومشاكله فكانت الأعمال دون المستوى المطلوب على صعيد النص والإنتاج والأداء والإخراج مثل مسلسلات فتت لعبت وروزنامة وبديع وفهيم منوهة بأهمية وجود أعمال درامية تقدم شريحة الشباب بجدية أكثر وعدم الاكتفاء بالثرثرة الفارغة.
بينما قالت الأديبة سوسن رضوان إن الدراما السورية ركزت هذا العام وبشهر رمضان بشكل خاص على الجوانب السلبية التي رأت أن اغلب المجتمع أصيب بحالات الخيانة والانحراف كما اعتمدت على أسلوب يبتعد كثيرا عن الربط المنطقي بين الأحداث في تلك المسلسلات فانعدمت ظاهرة التشويق وضاعت الحبكة في عدة نواح أما بالنسبة للمسلسلات التي تناولت الأزمات التي نعيشها فاعتبرت انها اعتمدت جانبا واحدا في تصوير الاحداث دون ان تبحث عن الوثيقة وكأنها اخذت بعض المشاهد والظواهر من عينات محددة في الشارع حيث طرحت ما كان لديها بشكل مباشر.
ورأى الشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق أن المسلسلات السورية هذا العام ما هي الا غيمات تتلاقح فيما بينها لتسقي الزرع والضرع والزهور المختلفة في الوانها واشواكها الا ان بعضها لم يتمكن من مواكبة ما يجري بشكل دقيق وان كانت قد دفعت به للبحث عن الحقيقة ولتلمس الجراح التي تنزف دما ولاسيما مسلسل سنعود بعد قليل الذي جعل في داخلي شعورا بالتفاؤل والامل والعودة إلى الوطن وحرك جذوات الحنين برغم تناقض الشخصيات الا انني استشعرت من خلال شخصية دريد لحام بوجود ملحمة وطنية في المسلسل حيث توجد محاولات لدفع الجميع الى الحب والتفاهم.
واعتبر أن فكر المسلسلات الدرامية تعددت وتماسكت من خلال القضايا والأحاديث المطروحة لتشكل جذوة المشكلة والقضية ومنها استنباط الحل بمجرد تلاقح الأفكار الصادقة وتهذيبها لتصب بساقية الخير النابعة من عشقنا للوطن مستشهدا بحديث العجوزين في احد الأزقة في دمشق وهم يلعبون الزهر مع اختلاف عقليهما وفكريهما فيما يجري في البلاد الا انهم يذوبون حنينا للتلاقي والحب الذي جمعهما في الحارة الشامية خلال عشرات السنين وهم يتقاسمون الحب والرغيف.
وقالت الفنانة تولاي هارون لقد قدمت الدراما السورية في هذا العام اشياء هامة وتمكنت من أداء دورها بشكل لائق وان الظروف التي مرت بها الدراما لو كانت في بلد آخر لما تمكنت من ان تخطو أي خطوة فعلى الذين ذهبوا الى خارج القطر وبدؤوا بتقييم الدراما ان يأتوا الى سورية لنرى ماذا يمكن ان يفعلوا لأنهم وقعوا في اشكالات الفشل عندما عرضوا ما لديهم مبينة ان العمل الذي لا يعرض في مكان اهله وفي وطنه ويخجل اعلام الوطن من التعاطي معه هذا بالضرورة عمل فاشل مهما صفق له الآخرون.
فيما رأت الفنانة ريم عبد العزيز انه ليس بامكاننا أن ننكر وجود اعمال كانت جيدة ورفيعة المستوى كما هو في مسلسل سنعود بعد قليل الا ان الدراما لم تكن في المستوى المطلوب هذا العام لان الادوات التي قدمت معظم المسلسلات كان بامكانها ان تقدم المستوى الافضل واضافت يجب ان تكون تطلعاتنا وطموحاتنا اكبر مما هو لدينا لان السنوات الماضية شهدت تطورا كبيرا على مستوى الدراما السورية وطالما نحن نمتلك القدرة فعلينا ان نحافظ على مكانتها لتحافظ هي على مستوى منافستها للدراما العربية.
بدوره قال الكاتب فؤاد حسن إن الدراما السورية انقسمت إلى عدة اقسام فمنها ما طرح مشاكل اجتماعية ومنها ما عكس صور البيئة الشامية الا ان هناك تحولات بنيوية في جذور النص وحدود الجغرافيا التي كان سببها انتقال كوادر التمثيل والعمل إلى مناطق أخرى ما دفع إلى خلاف بين ما يؤديه الممثلون وما تتقبله البيئة من حركة اجتماعية.
وتابع.. وبرغم كل هذه التناقضات والظروف التي مر بها وطننا الغالي حققت الدراما في رمضان وجودا كثيفا وفي كثير من الأحيان حافظت على بعض نجاحها وتألقها. الناقدة شيهنور أباظة قالت إن مسلسل سكر وسط تميز بجرأة لافتة في طرحه للأزمة الاقتصادية ومؤثراتها على مجالات الحياة المختلفة والفساد الذي يسود بعض المرافق والجمعيات السكنية التي يعلق شبابنا آمالهم الكبيرة على وجودها الا ان العنوان لم يصل الى بنية الموضوع ولا يرتبط بالنص وكان هذا الجانب هاما في جانب من المسلسل الذي تناول جوانب عديدة أخرى اختلفت وتناقضت في أفكارها.
اما الكاتبة والمترجمة اميرة مصطفى الكوسا فقالت.. قد تميزت الدراما السورية بما طرحته هذا العام بأنها تناولت كثيرا من القضايا الاجتماعية والسياسية وان اختلفت الطرائق في طرح المواضيع فهذا لا يؤثر على مستواها ومواكبتها للحياة الاجتماعية التي تحوي كثيرا من الشرائح والتناقضات السلبية والايجابية فيكفي الدراما السورية فخرا انها ظلت صامدة برغم كل ما يدور.
الباحثة ابتسام بوسعد اعتبرت أن الضعف طغى على الدراما الاجتماعية في تناول المواضيع كقتل الزوج لزوجته في مسلسل سكر وسط والحاق الاذى بين الاخوة وترك الطلاب لدراستهم دون ان تطرح حلولا ملائمة لما يدور وهذا خلاف لما حققته الدراما في الاعوام الماضية ومن المفترض ان تكون الدراما دائما مستعدة لطرح القضايا وطرح حلولها وهذا ما لم نرى له أثرا هذا العام.
الشاعر والإعلامي عيسى الضاهر قال بالنسبة للدراما السورية هذا الموسم في رمضان قدمت وجبة غنية مكثفة للمتلقي بشكل عام وللمتلقي السوري بشكل خاص حيث برزت الأزمة في سورية في أغلب الأعمال وفي معظمها لم تأت بالحل ولا بالمقترح بل اكتفت بتجسيد الأزمة والتدخلات الحاصلة والآثار الاجتماعية والنفسية وفي اغلب الاحيان لم تكن الدراما منصفة للحالة الوطنية وهي لم تواكب بدقة ما يدور على أرض الواقع ما أدى إلى نفور في شرائح كبيرة من المجتمع.
وتمنى الضاهر أن تكون النظرة الدرامية أكثر عمقا وخاصة انها تؤدي حالات لها اثرها الكبير على المتلقي وعليها ان تجعل الوطن من أولوياتها لانه الاكثر حساسية امام من يرون الدراما في سورية والوطن العربي وعلينا ان ندرك ما حققته الدراما وان نساهم في تطوير معطياتها.
بدورها قالت الشاعرة شذى خضور إن الدراما السورية لهذا العام خرجت عن الإطار المألوف وتراجعت في خطها الدرامي من حيث البنية والموضوع علما انها قدمت كما ليس قليلا خلال شهر رمضان خلافا لعادته تراجع عن مستواه الفني واعتمد على الطرح السلبي في تناوله للقضايا الاجتماعية.
اما الإعلامي والكاتب أيمن ونوس مدير العلاقات العامة في دار الشرق للإنتاج الدرامي فراى ان الدراما السورية لهذا العام لم تواكب القضايا الإنسانية والوطنية والاجتماعية اذ انها خرجت عن طريقها وبدأت تهتم بقضايا تجارية لذلك اعتمدت على أشياء قد لا يكون لها علاقة بالحالة الوطنية التي نعيشها وكيفية معالجتها.
كما أن مؤسسات الإنتاج الوطنية التي تعمل على مواجهة الأزمة وتتطلع إلى نهايتها لم يقدم لها أي دعم لتقوم بدورها الايجابي.
الرئيسية 
البوابة 
أحدث الصور 
