قراءة متواضعة في بعض من سيرة جرير بن عبدالله البجلي

يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن عليه مسحة ملك

هذه المقولة للنبي صلى الله عليه وسلم قالها في الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي
ولقد تفكرت وتدبرت في هذه المقولة كثيرا فوجدت فيها دلائل عظيمة تدل على عظم مكانة سيد بجيلة الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه فالنبي صلى الله عليه وسلم قالها وجرير لم يصل بعد فكيف علم بقدومه وكيف وصفه بهذا الوصف؟
النبي صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى وقال تعالى عنه (ان هو الا وحي يوحى) فعندما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء سيقع في المستقبل فهو نبي الله ورسوله ولاغرابة ان اوحي اليه خبر ما
ولكن على ماذا يدل مدح النبي صلى الله عليه وسلم لجرير ووصفه بانه خير ذي يمن وبان على وجهه مسحة ملك؟
لقد حُق لجرير ان يفتخر بهذا الشيء وان يخلص في قوله وعمله وقد فعل فأي فخر هذا؟
فهل اوحي الى النبي صلى الله عليه وسلم عن عظم مكانة جرير وانه خير ذي يمن؟ رحمك الله ياسيد بجيلة
يقول جرير بن عبدالله فرحا مسرورا بمقولة النبي صلى الله عليه وسلم " فحمدت الله عز وجل على ما ابلاني "
ولقد حاز سيد بجيلة على محبة النبي صلى الله عليه وسلم فدعى له قائلا (اللهم اجعله هاديا مهديا)
وثبت بان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجب جرير وكان اذا رآه يبتسم
فعلى ماذا تدل هذه الاشياء؟ انها تدل على رفع شان هذا البجلي الطيب الصادق المحبوب
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لايخالجه شك في مكانته ورفعة شانه بين قومه وانه يجب ان يوضع في المنزله التي يستحقها
وانني بعد قراءة هذه الاخبار بتمعن ارى بان جرير بن عبدالله كان مشهورا قبل الاسلام ولكن بماذا اشتهر؟
في رايي بانه اشتهر بلين الجانب وبالكرم وبالرفق وبطيب القلب وصفاء النية
والا لما امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بانه خير اهل اليمن ولما ابتسم كلما رآه ولما اعفاه من الحجب
فهذه كرامات لجرير وليست لاحد سواه
وممايدل على عظم مكانة جرير وعلى شهرته في الجاهلية قبل ان يسلم هو قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب عنه (لقد كنت فقيها في الجاهلية وها انت فقيها في الاسلام)
فعمر بن الخطاب كان شغوفا باخبار القبايل ولا غرابة ان يكون سمع بجرير وباخباره الطيبة وقوله فقيها في الجاهلية والاسلام تكفي لاثبات مكانة جرير في قومه ومع المسلمين بشكل عام
ثم ياتي الصحابي الجليل علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فيصف جرير بانه منهم (ال البيت) وهذا من افضل مايوصف به الرجل المحبوب فاذا وصفك شخص ما بانك من اهل بيته فهو يحبك ويقدرك كما يحب اهل بيته ويقدرهم
ويبدو لي بان مكانة جرير وطيب قلبه واشراقة وجهه وصدقه في ايمانه وابتعاده عن الرذائل منذو صغره جعلت له حياء وحبا واحتراما لدى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
وان ماقام به جرير وقومه في سبيل الله لينبئنا برفعة شانه حقا فمنذو اول يوم في اسلامه اسندت اليه المهمات الثقال فبداها بهدم صنم ذو الخلصة ثم بدعوة ملوك اليمن الى الاسلام ثم بالاتجاه الى الشام للجهاد ثم بحرب اهل الردة وهكذا تتوالى اعماله الجليلة جنبا الى جنب مع قبيلته بجيله ممارفع
شانهم علاوة على ماكانوا عليه في الجاهلية
وجرير بن عبدالله لم يكن طيب صادقا محبوبا فقط بل تميز بالفصاحة والبلاغة وليس ادل على ذلك من ارسال النبي صلى الله عليه وسلم له الى ملوك اليمن الجبابرة فكان سببا في هدايتهم الى الاسلام
وهو الذي ارسله علي بن ابي طالب كرم الله وجهه الى معاوية بن ابي سفيان في مهمة
عظيمة قبل وقعة صفين
وفي الجاهلية نفره الاقرع بن حابس التميمي وهو احد حكام العرب على خالد بن ارطاه الكلبي
بعد ان قال جرير ماقال من الكلمات الحسان التي لاينطق بها اي لسان
فلقد اجتمعت في جرير الكثير من المقومات التي اهلته للقيادة والسيادة في الجاهلية وفي الاسلام
فعندما تناط به قيادة الجيوش الجرارة فهذا ليس من فراغ بل نظرا لما اجتمع فيه من الصفات والمقومات
الجسمانية والروحانية
فلقد كان جرير قوي البنية زاهي المنظر قوي الايمان طيب القلب
ولقد كان من طوله يعقد على ظهر البعير ولنا ان نتخيل ذلك وممايدل على ضخامته ان نعله كانت ذراعا
وقال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه (جرير يوسف هذه الامة)
فهذا وصف بليغ يكفي عن الاطالة في اوصاف جرير بن عبدالله ويختصر علينا الكثير من الكلام
فالنبي يوسف عليه السلام لايحتاج الى وصف من كلام فهو ابلغ وارفع من اي كلمة تقال فيه
وجرير بن عبدالله اشتهر بحبه لقومه فعندما حاول احد الشعراء ان يهجوهم زجره ودفع اليه المال لكي يكفه عن اعراضهم
وعندما توالت الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم اخذ عددا كبيرا من قومه فوفد بهم ولم اجد في المصادر التاريخية مايثبت بان هناك قوما كانوا اكثر من بجيلة في الوفادات وهذا يثبت مدى حب جرير لقومه وانه يريدهم ان يكونوا اهل السبق في الاسلام كما كانوا في الجاهلية
وفي الشام كان يجاهد بقومه احمس وكانوا اكثر المقاتلين مع خالد بن الوليد
ثم كانوا اكبر جيش في معارك العراق اذ كانوا ربع جيش القادسية وهذا يكفي للاشارة الى كثرتهم
بل كان يوصيهم في خضم المعركة بالصبر والثبات وعندما هربت جيوش الكفر كان ممن انتدب الى مطاردتهم واخذ معه قومه بجيلة وحرضهم على الجهاد بقوله (اما النصر او الشهادة) فكانوا بجيلة عند حسن ظن سيدهم بهم
كل هذه الاعمال تدل على مدى حب جرير لقومه بل ان جرير سعى جاهدا الى اخذ عهد من النبي صلى الله عليه وسلم بان يجمع له بجيلة المتفرقين في قبايل العرب
فوعده النبي بذلك فتحقق لجرير بعض مماكان يتمناه حيث خرجت اليه بعض من جموع عرينة وسحمة وقيس كبة
ولذلك قال الشعراء (لولا جرير لهلكت بجيلة)
طبعا الشاعر يقصد بجيلة المتحالفين في قبايل العرب وحتى لو لم يقصد فان بجيلة المتفرقين في قبايل العرب لم يكونوا كل بجيلة بل بعضهم ولقد بقي في ديارهم الكثير والكثير
فلقد اتى جرير بن عبدالله الى المدينة تلبية لنداء عمر بن الخطاب بجيش كبير قبل ان يخرج اليه عرينة وسحمة وقيس كبة
ولقد تناولنا هذا المحور في موضوع للنسابة العربي تجدونه مثبت بالقسم العام
واعود لاقول بان حب جرير لقومه في الاسلام ومحاولته لان يجعلهم في الصفوف الامامية في الجهاد
هو امتداد لحبه لهم في الجاهلية فلقد دافع ونافح عنهم في سوق عكاظ حتى حاز على حكم
قضاة العرب وهو القائل (نحن الملوك قسر) وهو القائل (نحن حي لقاح) اي لانتبع لملك بل ملوكنا منا وفينا

» أمير قرقيسياء الصحابي الجليل((جرير بن عبدالله البجلي))
» قراءة في الصحافة العالمية
» قراءة في كتاب -طوق الحمامة- لابن حزم الاندلسي